العراق الجريح
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


نافذتك التي تطل بها على العراق والعراقيين
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 ؛ليلة الرحيل إلى القمر؛

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Monster
الادارة
الادارة
Monster


عدد الرسائل : 166
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 04/03/2008

؛ليلة الرحيل إلى القمر؛ Empty
مُساهمةموضوع: ؛ليلة الرحيل إلى القمر؛   ؛ليلة الرحيل إلى القمر؛ Emptyالأربعاء مارس 05, 2008 7:02 am

المكان: أقصى الشمال _الشمال المقصي

الزمن: الخريف





حل الخريف العابس بردائه المتقلب, و أقام على أطلال صيف اختزل خضرة الوجود, و عاث في الشمال و الجنوب فارضا سلطانه, و بايعته الطبيعة و الطيور, و استمر الإنسان يدفع عجلة الحياة غير آبه بنظرات السماء الحائرة و زفراتها الثائرة.

على تلة صغيرة تتوسد قدم جبل ناطح السحاب علوا, من بلدة صغيرة توسطت هاته التلة, و طوقها عقد من الحقول و البساتين, تصاعد دخان المداخن كحية تهتز لعزف جميل.

يعيش أهل البلدة على كرم الأرض فيقلبوها كي يقلب رزقهم, و يخطوها كي يُخَط استمرارهم, متربصين أحوال الطقس آملين أحيانا و أحيانا خائفين.

عاش صفوان في هاته البلدة التي شهدت مولده و نشأته, و أحبها كما أحبها والده, و كان يحيا على غرار أهل بلدته على قطعة أرض تعتبر جزء من فؤاده, بل جزء من وجوده, فهو يرى وجوده بوجودها و زواله بزوالها.

يعيش صفوان مع زوجته و ولداه أكرم و هبة, ولداه اللذان ورثا بساطته في حياته, البساطة التي نسجت حلة هدوء كستهم مليا.

استيقظ صفوان ذات ليلة فزعا على أنات زوجته و آهاتها, كان ألمها رهيبا عنونه عمق زفراتها, أحس بما تعانيه و ضل يدور و يسعى كناقة ثكلت سقبها عاجزا عن فعل شيء.

في الصباح الباكر ترك ولداه عند أخيه و طار بزوجته إلى المدينة يستأنس لها علاجا و خلاصا, و صل المشفى و عرضها على الطبيب, وطال الكشف و بقي معلق بين الخوف من المجهول و أمل ما سمعه عن المدينة و تقدم سبل علاجها.

خرج الطبيب غير آبه بمن ينتظر, سأله و عيناه تقطران حيرة فرد عليه: آه... آسف سيدي لم أستطع أن أفعل لها شيء, الورم استفحل و بات في مرحلة متقدمة جدا... آسف ماتت......

أحس ببساط الأرض يسحب تحت قدميه, مد يده متكأ على أقرب جدار....

عاد أدراجه خائبا, دفنها بصمت و لا أحد يعي ما تأجج في أعماقه و قطع في أحشائه, و ضل صامتا حتى تجرأت صغيرته على صمته قائلة: أين أمي يا أبي؟؟

شعر بغرابة سؤالها و لكن سن الصغيرة يصنع عذرها

فأجابها: لقد رحلت إلى القمر يا ابنتي, هي هناك تجهز بيتنا وتنتظرنا أن نرحل إليها.

كان كلامه كافيا لإسكاتها لحظتها لكنه نسى و لم تنسى و أكلت فكرة الرحيل إلى القمر من لبها كفلا....

ذات مساء عاد ليجده الولد وحيدا, سأله أين أختك فأجابه بأنها خرجت صباحا بعد خروجه بقليل و قالت أنها ستلحق بأمي في القمر...

ثار و خرج مسرعا يجهل وجهته, صال و جال في البلدة ثم ولج المدينة هَبِصًا و أمضى الليل بين مراكز الشرطة و المستشفيات يقتفي خبرها دون جدوى, فالوجهة القمر و لا عنوان تركته غيره...

عاد يجر خيبته الثانية ليصادفه سؤال صغيره المتبقي: هل ذهبت أختي عند أمي؟

رد بمزيج من السخرية من الذات و البلاء المضحك

نعم يا بني, رحلا و لم يبقى سوانا, هل ترغب باللحاق بهما ؟

أجاب الصغير: نعم يا أبي....

فتنهد بعمق الشرخ الذي امتد في نفسه العليلة وقال: حسنا قريبا سنرحل معا....

و استمرت يد الزمان تقطف الأيام لتصنع عقد الماضي, و فكرة الرحيل مدت جذورها في نفس الصغير مد العذق....

و ألح الصغير على أبيه بالرحيل فواعده أن يفعل بعد ليال ثلاث...

مضت الليالي الثلاثة متمطرة و حل موعد الرحيل, فحمل الأب ابنه و سار إلى ربوة تطل على المدينة و استقبلا القمر, و أخرج الأب زجاجة صغيرة و أمر ابنه أن يشرب منها قليلا...

مد الصغير عنقه و قرب القنينة من فمه يريد التجرع, و كاد أن يفعل لولا أن الأب انهار في لحضة ضعف و ضرب الزجاجة بيده فطارت بعيدا و جثا أرضا يحثوا التراب على رأسه و دموعه تخط سبيلها بين الغبار الذي كسا وجنتيه....

و بكى بحرقة و لام نفسه على ما أوشك أن يفعل بصغيره و نفسه, كيف يقتل فلذة كبده بيده و نفسه أيضا بالسم ضعفا منه و استسلاما لوقع الأقدار عليه.

و عاد بالصغير للبيت ليجد ابنته في البيت بعد أن أعادها فاعل خير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
؛ليلة الرحيل إلى القمر؛
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
العراق الجريح :: الــمــنــتــديــات الأدبــيــة والــمــجــالــس الــثــقــافــيــة :: منتدى القصص والروايات-
انتقل الى: